(أقلية داخل الأقلية) الطائفة الإنجيلية.. تاريخ وسمات ومشكلات في مصر

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email

مقدمة

المسيحية هي أكبر الديانات انتشارا وعددا على مستوى العالم وتنتمي إلى الديانات الإبراهيمية التوحيدية. في مصر الأقلية المسيحية هي أكبر الأقليات عددا وتنقسم إلى: الأقباط الأرثوذكس وهم الأكثر عددا والأقباط الكاثوليك والإنجيليين وقلة من المهاجرين من بلاد أخرى مثل الشام والعراق، ومثال على ذلك المسيحيين الموارنة والكلدانيين.

تلك الورقة تركز بالأخص على الطائفة الإنجيلية المشيخية في مصر لتبرز أهم النقاط في تاريخها والسمات التي تميزها وأهم المشكلات التي تواجه أبنائها في مصر بهدف التعريف بهم وإعطاء مساحة لهم للتحدث عن أوضاعهم.

نبذة عن تاريخ الكنيسة الإنجيلية المشيخية نشأتها بمصر

الكنيسة الإنجيلية هي كنيسة بروتستنتية تستمد تعاليمها من الإنجيل مباشرة وتعطي أهمية كبرى لاتباع المسيح من خلال الإنجيل أي كلمة الله. البروتستانتية وهي المظلة الأكبر التي ينتمي لها أبناء الطائفة الإنجيلية، بدأت كحركة إصلاحية مناهضة للكنيسة الكاثوليكية الرومانية على يد مارتن لوثر الذي أعلن اعتراضاته ضد الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا عام 1517م و منذ ذلك العام بدأ في نشر دعوته من خلال كتابة الكتب التي تنتقد ممارسات الكنيسة الكاثوليكية وعقد اجتماعات إنجيلية متفرقة ويصف الانجيليون ذلك العهد ببداية الإصلاح البروتستانتي [1].

وتعود الجذور التاريخية للكنيسة الإنجيلية في مصر إلى فترات مختلفة بدأت في القرنين السابع والثامن الميلادي، حيث تردد على مصر عدد من المرسلين البروتستانت الذين تقابلوا مع البابا البطريرك وأقاموا بين مصر وإثيوبيا. وفي القرن التاسع عشر الميلادي جاء وليم جوية إلى مصر وتقابل مع قداسة البابا والكثير من الكهنة والرهبان وتم نشر عددا من البشائر الأربعة على المصريين.

وفي عام 1825 تم إرسال خمسة مرسلين ألمان إلى مصر على أثر ذلك تم إنشاء كنيسة بروتستانتية صغيرة في مصر عام 1834 وبحلول عام 1840 كانت تعقد ست اجتماعات بروتستانتية في القاهرة.

كل ذلك كان يحدث في البداية بهدف إصلاح الكنائس المصرية القبطية تحت لواء رؤسائها. وتم إنشاء أول مدرسة إنجيلية في الإسكندرية عام 1856 وعام 1860 تم تشكيل أول مجمع مشيخي، وبتعليمات من هذا المجمع تم إنشاء أول كنيسة انجيلية وكانت في حيازة الارسالية الأمريكية حتى عام 1958 حين تنازلت عنها للكنيسة الانجيلية المصرية.

وقد تحدثنا مع قس انجيلي مصري أخبرنا بالإرساليات الأمريكية التي جاءت إلى مصر وأسست الكنيسة الإنجيلية بها على غرار وجود أول كنيسة انجيلية في الشرق في بيروت، واستطرد قائلا أن تلك الارساليات الأمريكية اهتمت ببناء المشافي والمدارس إلى جوار الكنيسة واهتمت بتعليم البنات و لذلك أسسوا على سبيل المثال مدرسة رمسيس للبنات و قد كان تعليم البنات في مصر وقتها نادرا على حد تعبيره، مما يشير الي الدور الخدمي والتنموي المجتمعي للانجيليين في مصر منذ بداية عهدهم.

أبرز سمات الطائفة الانجيلية

تركز الكنيسة الانجيلية على كلمة الله الإنجيل كأساس للعبادة والايمان فلا يحتفون بالقديسين او بالايقونات وتنقسم العبادة عندهم الي ثلاث أنواع: عبادة الجمهورية وفيها يشترك كل أعضاء الكنيسة في العبادة، العبادة العائلية التي تقوم بها الاسرة معا والعبادة الفردية التي يقوم بها الشخص منفردا وتشمل العبادة على التسبيح وقراءة الكتاب المقدس والاستماع لكلمة الله والصلاة إلى جانب الخدمات والأنشطة الروحية المختلفة. وتمارس الكنيسة الانجيلية فريضتين وهما فريضة المعمودية والعشاء الرباني.

وتحدث القس الإنجيلي المصري عن السمات الثقافية والاجتماعية للانجيليين في مصر قائلا أن الإنجيليين هم مصريون يتبعون نفس العادات والتقاليد المصرية على الجانب الثقافي والمجتمعي أيضا، أما بالنسبة للدين والمعتقد فهم وبحسب وصف القس “يعطون أهمية قصوى للكتاب المقدس ومحوريته في كنيستهم وعبادتهم أي أن القراءة و التأمل في الكتاب المقدس و استخلاص الدروس منه و ان يكون للانسان خلوة مع الله يوميا هو أساس العبادة الإنجيلية المسيحية، إلى جانب بعض الممارسات مثل المعمودية و العشاء الرباني و الترانيم والتناول”. وتابع القس حديثه أن العبادة الانجيلية تكون باللغة العربية وأن الانجيليين في مصر يحتفلون بعيد الميلاد وعيد القيامة وفقا للتقويم الشرقي، وأن بعض الكنائس الانجيلية تحتفل بما يعرف بعيد الإصلاح يوم 31 أكتوبر نسبة إلى اليوم الذي علق فيه مارتن لوثر احتجاجاته على كاتدرائية كاثوليكية في ألمانيا ومن هنا بدا ما يصفه الإنجيليين بالإصلاح الانجيلي أو البروتستانتي. وتعتمد الكنيسة الانجيلية في نظامها على النظام المشيخي وهو نظام ديمقراطي يعتقدون أنه مستمد من الكتاب المقدس وفيه تتكون الكنيسة من أعضاء ولكل عضو دور معين ويجب أن يؤدي كل عضو دوره بالتعاون مع باقي الاعضاء، كما أن هذا النظام الديمقراطي يعطي أعضاء الكنيسة حق انتخاب مجلس من الشيوخ والشمامسة لينوب عن الكنيسة في إدارة أعمالها وتيسير مصالحها ويعطي لهذا المجلس حق انتخاب أو انتداب أحد اعضائه ليمثل الكنيسة مع قسيس أمام المجمع فيكون المجلس مسؤول أمام الله والكنيسة والمجمع المشيخي. ويعلو هذا المجلس المجمع المشيخي الذي يتألف من عدد من الكنائس في منطقة جغرافية معينة فيدير شؤون الكنائس في منطقته ويفحص أحوالها وإعطاء تصريح الخدمة للمترشحين ورسامة القسوس أو إلغاء رسامتهم أو نقلهم أو عزل الشيوخ والشمامسة متي رأي ذلك في مصلحة الخدمة. السنودس هو الهيئة الكنسية التي تعلو المجمع المشيخي ويعتبر المجمع الأعلى للكنيسة الانجيلية المشيخية فيوجه الكنائس والمجامع والفصل في الامور الخاصة بالعقيدة وإدارة القسوس والخدام والاشراف على الأعمال العامة الخاصة بالمجامع وتتمتع سلطة السنودس بنفوذ اعلي من المجامع. وقد علق القس الانجيلي على النظام المشيخي للكنيسة الانجيلية قائلا انه النظام الأكثر ديمقراطية في الشرق الاوسط من حيث حرية الانتخاب وحرية الترشح والتنظيم والمساواة بين الرجل والمرأة في الكنيسة مثل منصب الشيخ داخل الإدارة الكنسية الإنجيلية.

يوجد ثلاث وظائف رئيسية تقوم بها الكنيسة الانجيلية المشيخية وهي: التعليم ويقوم بها قسيس أو أسقف أو ناظر أو شيخ أو خادم أو راعي أو وكيل، وتلك الوظيفة متعلقة بتعليم كلمة الله، وظيفة الإدارة ويسمي من يقوم بها بالشيوخ المدبرين ويقومون بإدارة سياسات الكنيسة والنظر في طلبات العضوية وإجراء تأديبيات الكنيسة، ووظيفة الخدمة التي يقوم بها الشمامسة ويقومون بقبول عطايا الكنيسة وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين وعمل الخير وخدمة الكنيسة.

المشكلات والتحديات

يعاني المسيحيون في مصر بمختلف طوائفهم من تعرضهم لتمييز بناءً على هويتهم الدينية، فعلى سبيل المثال يحرم المسيحي من تقلد مناصب معينة داخل الدولة مثل رئاسة الجامعات أو الحقائب الوزارية الهامة مثل وزارة الداخلية أو الخارجية أو المناصب الهامة بالقوات المسلحة، كما يتعرض المسيحيون أحيانا التمييز في العمل والتعليم حيث ترفض بعض الأماكن والمدارس الخاصة قبول وضم مسيحيين. هذا بالإضافة لتعرضهم لعنف مجتمعي وطائفي خاصة في الصعيد وأماكن ريفية لأسباب مثل ممارسة الشعائر الدينية أو ترميم كنائس مما يجعل الوضع متأزم في تلك الأماكن ويضع قيودا أمام حرية ممارسة الشعائر الدينية وبناء كنائس جديدة أو ترميم كنائس موجودة بالفعل.

وتنتهي الكثير من أحداث العنف الطائفي في هذه الأماكن إلى التهجير القسري للمسيحيين وعائلاتهم. يوجد أيضا قيود تمارس على التحول إلى المسيحية في مصر لا توجد في حالات التحول إلى الإسلام، كما لا تشمل المناهج التعليمية محتوي تعليمي شمولي عن تاريخ وعادات الأقباط والمسيحيين في مصر مما يؤدي إلى عدم وجود روح التسامح والتعددية عند أوساط كثيرة من المجتمع المصري.

وقد تحدث لنا القس الإنجيلي عن بعض المشكلات التي تواجه الإنجيليين في مصر بسبب كونهم أقلية داخل الأقلية على حد وصفه وترتبط تلك المشكلات بخطابات الكراهية والتمييز من الأصوليين المسلمين والمسيحيين على حد تعبير القس، حيث روى لنا أن بعض تصريحات الكهنة والأساقفة الارثوذكس الكبار تتهم الانجيليين بأنهم غير مسيحيين وأن الزواج الإنجيلي زنا وأوصى أحدهم عدم تسمية اسم مارتن للأبناء نسبة إلى مارتن لوثر مما يخلق أجواء من العدائية والتعصب تجاه الانجيليين على حد قول القس الانجيلي.

الخاتمة والتوصيات

بات واضحا من هذا التقرير أن طائفة الإنجيليين في مصر جزء من النسيج الثقافي والمجتمعي المصري. منذ نشأة الكنيسة الانجيلية اهتم الإنجيليون بالدور الاجتماعي في ميادين الصحة والتعليم والمساواة بين الرجل والمرأة. علي الرغم من ان الكنيسة الانجيلية كنيسة معترف بها في مصر إلا أن كونهم أقلية داخل الاقلية تعرضهم للتمييز وخطابات الكراهية من مسيحيين ومسلمين أيضا، إلى جانب العنف والإرهاب الذي يعاني منه المسيحيين في العموم وبالأخص في أوقات عدم الاستقرار السياسي والأمني، ومن هنا توصي المفوضية المصرية للحقوق والحريات بالآتي:

ضرورة التعجيل في إنشاء لجنة مكافحة التمييز المنصوص عليها في المادة 53 من الدستور المصري

ضرورة وضع حد لخطابات الكراهية والتمييز ووضع عقوبات لمن يروجها

ضرورة العمل على مناهج تعليمية ونظام تعليمي يحتفي بالتعددية الدينية والثقافية في مصر لنزع التعصب لدى المواطنين منذ صغرهم


[1] الموقع الرسمي لرئاسة الطائفة الانجيلية ، يمكن الوصول إليه عبر الرابط التالي :

https://pcegypt.net/AnglicanCommunion

[2] دستور الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر.موقع ارشيف الكنيسة الانجيلية بمصر. يمكن الوصول اليه عبر الرابط التالي: https://epcear.com/2021/02/%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%86%D9%8A%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%AC%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%85%D8%B5%D8%B1/

[3] المصدر نفسه

[4] المصدر نفسه

[5] المصدر نفسه

[6] الأقليات المسيحية في مصر ، موقع معرفة، يمكن الوصول إليه عبر الرابط التالي :

https://www.marefa.org/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%82%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%AD%D9%8A%D8%A9_%D9%81%D9%8A_%D9%85%D8%B5%D8%B1


[1]دستور الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر.موقع ارشيف الكنيسة الإنجيلية بمصر. يمكن الوصول اليه عبر الرابط التالي: https://epcear.com/2021/02/%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%86%D9%8A%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%AC%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%85%D8%B5%D8%B1/

ECRF Media

ECRF Media

Leave a Replay

ما هي خريطة الأقليات

هي أداة لتمثيل و إبراز أغلب الأقليات القاطنة في مصر كمحاولة للاحتفاء بها ،إيمانا بأن التعددية الدينية أو الثقافية أو العرقية أو اللغوية هي إضافة لثراء المجتمع ككل

أخر المستجدات

تابعنا