مقدمة:
يعتبر البهائيون جزء من النسيج الوطني والمجتمعي المصري والعالمي، كأتباع أحدث ديانة توحيدية إبراهيمية ترى في نفسها امتداد للديانات السابقة، ومكمل أساسي لها. تعتبر الدعوة للتقبل والانفتاح، والدمج بين مختلف العناصر العرقية، والجنسية والدينية، عنصر أساسي من المبادئ التي يؤمن بها البهائيون بشكل جوهري. ولكن لأن الدين البهائي حديث نسبيًا ويعتبر اتباعه أقلية في كل البلدان رغم توسعهم وانتشارهم عالميًا فإن البهائيين يعانون من واقع يهمشهم، ويقصيهم، وأحيانا يعاقبهم على اختلافهم العقائدي. هذا الاختلاف نفسه الذي يرونه هم سمة أساسية من نضج و تطور الوعي البشري على مر العصور. هذه الورقة تناقش أهم ما يميز البهائيين من معتقدات و تاريخ ، ومبادئ بهدف الاحتفاء بهم وبالتعددية الدينية، ونقل صورة مختصرة و لكن حديثة عن واقعهم في مصر بما فيه من تحديات وإشكاليات.
نبذة تاريخية:
بداية تاريخ البهائية مثل أي تاريخ آخر قابل للتأويلات و الاختلافات ، و لكننا ارتأينا ضرورة التوقف عند المحطات التي يعتبرها البهائيون أنفسهم محورية في تطور عقيدتهم و تاريخها، و لعل هذا أمر يسير، حيث تنتشر المواقع البهائية بمختلف اللغات محلية و عربية و دولية، لتواكب دعوتهم بوحدة العالم الإنساني.
يرى البهائيون أن أواصر البهائية تمتد إلى ظهور حضرة الباب في إيران، في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، حيث كان في البداية من اتباع الطريقة الشيعية الباطنية الشيخية في بلاد فارس، ولكنه أعلن بعد ذلك أنه المهدي المنتظر وأنه مساوي للرسل و الأنبياء السابقين، كما أعلن اتباعه من البابيين أنهم يتبعون دينا منفصلا ومستقلا بذاته، مما أثار حفيظة علماء المسلمين الذين دعوا الحكام بوقف الدعوة البابية.
يرى البهائيون أن النقطة التالية المحورية، هي دعوة بهاء الله في إيران، الذي أعلن أنه مظهر من مظاهر الله و أنه المسيا المنتظر في الكتب الدينية، والمتمم لدعوة الباب، مما جعل أغلب البابيون يتحولون للبهائية مع مسلمين ويهود ومسيحيين، حيث كان بهاء الله لا يناقش الكتب الخاصة بدعوته فقط، بل الكتب الدينية السابقة باعتبار أن البهائية مكملة لها كما ذكرنا سابقا.
بعد وفاة بهاء الله انتقلت السلطة الروحية إلى ابنه عبد البهاء، الذي يعتقد البهائيون أن بهاء الله جعله المفسر لما جاء في الكتب البهائية من بعده. اتسم عهد عبد البهاء بالتوسع والانتشار العالمي في الشرق والغرب، مما مهد أن تكون البهائية دينا عالميا.
تولى الريادة بعد عبد البهاء ابنه شوقي أفندي، والذي اعتنى ببناء نظام إداري بهائي عالمي، وبترجمة الكتب والنصوص البهائية، ومن بعده انتقلت البهائية إلى عهد جديد تحت الريادة الروحية لبيت العدل الأعظم المنتخب بدلا من أشخاص معينين، ويستمر هذا الوضع حتى الآن.
يعود تاريخ البهائية في مصر إلى عام 1868، حيث أن سفينة كانت تنقل حضرة بهاء الله من مدينة أدرنة التركية إلى منفاه الأخير في مدينة عكا توقفت في الإسكندرية، ومنذ هذا الوقت بدأ اعتناق بعض المصريين للديانة البهائية. ازدادت أعداد معتنقي البهائية من المصريين عندما زار حضرة عبد البهاء بورسعيد عام 1910، وأقام بها شهرا قبل ذهابه لأوروبا، لكنه اضطر أن يبقى في الإسكندرية عاما كاملا، وتأجيل رحلته لأوروبا بسبب توعك حالته الصحية.
توالت زيارات حضرة عبد البهاء إلى مصر مرات كثيرة متفرقة فيما بعد. ساعدت تلك الزيارات في نشر الدين البهائي في مصر، حتى أصبحت مصر من أولى الدول التي تعترف بالدين البهائي كدين مستقل بحكم قضائي، في العاشر من مايو عام 1925، ومن بعدها تأسس المحفل البهائي المحلي في الإسكندرية عام 1924، و محفل آخر مركزي لمصروالسودان عام 1928، وتم الاعتراف به من قبل الحكومة المصرية عام 1934 .استمر الاعتراف بالدين البهائي في مصر رسميًا حتى عام 1960، بعد وصول جمال عبد الناصر للسلطة، ومن ثم تم الحكم بالسجن لمدة أشهر على القليل، أوغرامة لأي أنشطة أو تجمعات مرتبطة بالبهائية في مصر، وعلى أثر ذلك استمر التضييق على البهائيين، وتقييد حريتهم و تم الحجر على جميع ممتلكاتهم، من مكتبات و مقابر و محافل و مراكز من قبل الدولة المصرية.
الخصائص ( معتقدات ومبادئ وأعياد):
الديانة البهائية حسب تعريف البهائيين هي ديانة توحيدية منفصلة ومستقلة بذاتها، تم تأسيسها من قبل بهاء الله في القرن الـ 19 في إيران، والذي ينظر إليه على أنه مظهر إلهي وآخر رسل الله إلى العالم، حيث أنهم يؤمنون بوحدة الأديان، أي أن جوهر الأديان كلها واحد وأن كل الأديان السابقة سماوية متحدة في أهدافها، ومتصلة في مقاصدها، ومتكاملة في وظائفها جاءت جميعها لهداية البشر. يؤمن البهائيون أيضا أن الدين البهائي لا يخالف جوهر المبادئ الروحانية في الأديان السابقة، ولكنه الدين الأحدث والأكثر ملائمة لمتطلبات العصر. فسر لنا أحد مصادرنا من البهائيين المصريين ذلك قائلا: الأمر مثل طلوع الشمس كل يوم على البشر لتنير العالم ، كذلك يهدي الله البشرية كل فترة زمنية من خلال رسول ومظهر إلهي جديد.
يدعو الدين البهائي إلى مبادئ عالمية وإنسانية هامة، مثل: وحدة العرق الإنساني، وإزالة أسباب الحروب، والخلاف والنزاع ،والمساواة بين الرجل والمرأة، وضرورة التوافق بين الدين والعلم، والدعوة للسلام العالمي .يدير شئون الدين البهائي في العالم أجمع ما يعرف عند البهائيين ببيت العدل الأعظم، وهو هيئة عالمية عليا يعتقد البهائيون أن بهاء الله نفسه دعا إلى إنشائه، ويتكون من 9 أشخاص يتم انتخابهم من جميع أعضاء المحافل البهائية المركزية في العالم أجمع، كل خمس سنوات منذ عام 1963، وهو العام الذي تم انتخابه فيه لأول مرة .
يؤمن البهائيون أيضا بأهمية العبادة لتقويم النفس واتصالها بخالقها، وتتنوع العبادة عندهم من دعاء وصلاة، وتأملات روحية، وصوم وحج. تعتبر الصلاة عند البهائيين فردية ما عدا صلاة الجنازة، ولديهم كتب مقدسة خاصة بهم من أهمها الكتاب الأقدس. قال لنا أحد المصادر البهائية أن الأمر بالنسبة له منذ اعتناقه للبهائية هو أن هناك عوالم أخرى خفية على الإنسان وأن الدين والصلاة هي الوسيلة للارتقاء بالنفس البشرية حتى تقوم بمهمتها في خدمة المجتمع الإنساني و ضمان وحدته. كما ذكر مصدرا آخر في سياق مشابه أن البهائيين لا يحبذون العمل السياسي القائم على الاستقطاب و التفرقة، و لكن يميلون لخدمة الإنسانية اجتماعيا و ثقافيا، ويعد أحد طرق تلك الخدمة تبدأ من المحافل التي وصفها لنا أحد مصادرنا، قائلا إنه يتم اختيار مجموعة من البهائيين يكونوا الأصلح في إرساء المبادئ البهائية، ومن خلال المحافل يحدث لقاءات في أماكن مغلقة للصلاة والتلاوة من كتب مقدسة مختلفة وتكون مفتوحة لأشخاص من جميع الديانات، كما يتم تخصيص لقاءات مع الأطفال لإرساء مبادئ الدين البهائي بداخلهم.
استفاض المصدر في الحديث عن الأعياد البهائية، ومظاهر الاحتفال، قائلا إن أهمها عيد الرضوان الذي أعلن به بهاء الله بداية دعوته في العراق، وعيد النيروز الذي يعد بداية التقويم السنوي البهائي الذي يقسم العام إلى تسعة عشر شهرًا، كل شهر إلى تسعة عشر يومًا، و يتبقى أربع أو خمس أيام تسمى أيام إلهاء وهي أيام تتسم بالبذل والعطاء و الكرم.
استطرد المصدر، قائلا: من الأعياد الهامة عيد مولد بهاء الله و الباب ووفاتهم، بالإضافة إلى أنه لا يوجد طقوس أو مظاهر احتفال معينة، فلا يوجد رجال دين أو شعائر غير الأدعية والصلوات، أما مظاهر الاحتفال فهي حسب ثقافة البلد، واستطرد المصدر قائلا: لا يوجد أماكن احتفال معينة في مصر، فكل مجموعة في منطقة سكنية معينة يجتمعون للاحتفال سويا في البيوت أو الحدائق، كما لا يوجد بيوت عبادة خاصة بخلاف ما يعرف بمشرق الأذكار المنتشرة في بلاد كثيرة ولكن ليس في مصر، و يكون لها تصميم معماري معين و تسعة أبواب لتدل على أن الجميع مرحب به.
مشكلات وتحديات:
أولا: الحق في المواطنة والأحوال الشخصية
منذ إصدار القرار رقم 263 لعام 1960، في عهد جمال عبد الناصر، الذي نص على حظر تجمعات وأنشطة البهائيين في مصر، أصبح من الممكن أن يلاقوا عقوبات بالسجن بسبب معتقدهم الديني بسبب المادة 98 من قانون العقوبات، تحت تهم مثل: الإخلال بالأمن العام أو وحدة المجتمع ، بدأت معاناة البهائيين المصريين في استخراج أوراق ثبوتية تحمل هويتهم الدينية، مما فرض على البعض تسجيل أنفسهم كمسلمين أو مسيحيين لاستخراج البطاقات، شهادات الميلاد أو الوفاة أو لتحصيل المعاشات مثلا. بالإضافة الي أن الوضع ازداد سوءًا بعد قرار ميكنة الأوراق الرسمية، حيث لم يصبح هناك أي اختيار ديني سواء الإسلام والمسيحية واليهودية حصرا . استمر هذا الوضع حتى حكمت المحكمة عام 2009 ، بإتاحة خانة شرطة لمن هم ليسوا مسلمين أو مسيحيين أو يهود.
ولكن – حسب وصف مصدر بهائي مصري – هناك نوعا أخر من التحدي حل وهو على الشخص إثبات أنه بهائي من خلال أوراق ثبوتية لوالده وأهله دالة على ذلك، أي أن المستفيدين فقط هم من يستطيعوا إثبات أن والديهم بهائيون ودون ذلك فيكون تحديد الديانة حسب خانة ديانة الوالد في البطاقة. واستطرد المصدر حديثه، عن مشكلة أنهم يسعون لتخصيص مدافن جديدة للبهائيين دون جدوى، لأن قانون الدولة يفرض أن تكون الجبانات لدين معين. أما بالنسبة لعقود الزواج و الطلاق فلا تقبل مصلحة الأحوال الشخصية توثيق زواج البهائيين إلا بدليل يتم تمصيره، فلا يبقي لديهم سوا عقد مسيحي أو إسلامي أو زواج عرفي, لكن بعض البهائيين اتجهوا للمحكمة لإثبات عقود الزواج عن طريق أن الزوجة ترفع قضية علي الزوج لإثبات الزواج و يقبل البعض والبعض الآخر يبقي معلقا حسب تعبير المصدر.
تحدثت إلينا سيدة بهائية مصرية عن مشكلة أخرى خاصة بالولاية للنساء البهائيات قد تعتبر حالات فردية، ولكن ضروري ذكرها لإظهار ما قد يؤول اليه الوضع في بعض الأحيان، وهو أنها ولدت في أسرة من أب وأم بهائيين ولكن بعد وفاة والدها فقدت الأم الوصاية على الأبناء نظرا لأنها من أصول مسيحية و زوجها من أصول مسلمة رغم أن الإثنين بهائيو العقيدة.
ثانيا: التبعات الأمنية والاجتماعية
يعاني البهائيون في مصر من تبعات أمنية واجتماعية، بسبب انتمائهم الديني منذ قرار 263 لعام 1960، ومن ثم تم ملاحقتهم أمنيا لأسباب منها: التجمع والصلاة وحيازة كتب دينية تحت المادة 98 من قانون العقوبات ، زعما بأنهم يضرون بالأمن العام ووحدة وتجانس المجتمع، واشتدت الملاحقات الأمنية عام 1960، وعام 1972، وعام 1985 ولكن بعضهم تم تبرأتهم في المحكمة من التهم المنسوبة اليهم. في وقت أقرب من ذلك عاني البهائيون من خطاب إسلامي محرض، بداية من فتوى مركز البحوث الإسلامية التابع للأزهر بردة البهائيين، وخطابات التيارات السلفية في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير. ترتب على خطابات الكراهية اعتداءات على منازل البهائيين في قرية الشرانية المصرية، وبالأخص بعد تحريض أحد الصحفيين المصريين ضد البهائيين إعلاميا عام 2009
الخاتمة والتوصيات:
تدعو البهائية من خلال مبادئها الأساسية إلى الوحدة والتجانس، وخدمة الآخرين في المجتمع، وتنبذ التحزب والتعصب الديني، أو العرقي أو الجنسي أو السياسي. قد نختلف أو نتفق حول آليات و أدوات التغيير والوصول لأهداف الارتقاء بالبشرية، ولكن من الضروري أن نقف جميعا دفاعًا عن حق الغير في المواطنة الكاملة، والمساواة والحرية. هذه ليست دعوة لاعتناق دين أو مذهب معين بقدر ما إنها دعوة للانفتاح والتواصل والتعرف على الآخر، شريك الوطن وضرورة إدراك أهمية التعددية و الاختلاف في إثراء المجتمع ككل. ضروري أيضا عدم الانزلاق وراء الشعارات، وأن ننظر بعين ناقدة ومحللة للمشاكل والتحديات التي تواجه مختلف أفراد المجتمع باختلاف مرجعياتهم. ومن هنا بات واضحًا أن البهائيين في مصر لا يتمتعون بمواطنة كاملة، أو بحرية في التعبير عن معتقداتهم، بل يقعون ضحايا لقوانين قاصرة وخطابات كراهية تحريضية مما يؤثر على أبسط حقوقهم في إثبات الزواج أو الطلاق، أو تحصيل معاشات أو الدفن ،أو الوصاية والولاية علي الأبناء في بعض الحالات، وفي لحظات معينة من عدم الاستقرار السياسي والأمني قد يعانون من العنف بمختلف تجلياته. ومن هنا توصي المفوضية المصرية للحقوق و الحريات بالآتي:
ضرورة إصدار قانون أحوال شخصية مدني موحد
ضرورة الإسراع بتشكيل لجنة مكافحة التمييز المنصوص عليها في المادة 53 من الدستور
ضرورة تجريم خطابات الكراهية التحريضية ووضع عقوبات لها
ضرورة التوقف عن أي ملاحقة أو مسألة قانونية لأفراد الأقليات الدينية بسبب انتمائهم الديني.
[i] Momen,Moojam; Smith,Peter (1993). “Bahai History”. Accessed at: https://bahai-library.com/encyclopedia_history
[ii] مدونة البهائية في مصر.” تاريخ البهائية في مصر”. يمكن الوصول اليه من خلال: https://bahaieg.org/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%87%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1/
[iii] “Baháʼí community of Egypt”. Official Website of the Baháʼís of Australia. National Spiritual Assembly of the Baháʼís of Australia. Accessed at: https://web.archive.org/web/20090929110127/http://www.bahai.org.au/scripts/WebObjects.exe/BNO.woa/wa/pages?page=social_action%2Fegypt.html
[iv] البهائيون في مصر ، الموقع الرسمي للبهائيين في مصر ، يمكن الوصول اليه عبر الرابط التالي :
[v] المصدر نفسه
[vi] [vi] U.S. Department of State (2004). “Egypt: International Religious Freedom Report”. Bureau of Democracy, Human Rights, and Labor. Accessed at: https://2001-2009.state.gov/g/drl/rls/irf/2004/35496.htm
[vii] Baháʼí World News Service, First identification cards issued to Egyptian Baháʼís using a “dash” instead of religion. Accessed at http://news.bahai.org/story/726/
[viii] : El-Hennawy, Noha (September 2006). “The Fourth Faith?” in Egypt Today. Accessed at https://web.archive.org/web/20090904025614/http://www.egypttoday.com/article.aspx?ArticleID=6918 Also see Kourosh, Naseem (Summer 2012). “A Cold Winter in North Africa:The Case of the Baháʼís in Egypt” in International Law News. 41 (3): 31–33. Accessed at https://bahai-library.com/pdf/k/kourosh_case_bahais_egypt.pdf
[ix] U.S. Department of State (September 2004). “Egypt: International Religious Freedom Report”. Bureau of Democracy, Human Rights, and Labor. Accessed at https://2001-2009.state.gov/g/drl/rls/irf/2004/35496.htm
[x] Johnston, Cynthia (April, 2009). “Baháʼí homes attacked in Egypt village, families flee” reported by Reuters. Access at https://af.reuters.com/article/topNews/idAFJOE5320HC20090403