تاريخ:
الكنيسة الارثوذكسية القبطية هي إحدى الكنائس الارثوذكسية المشرقية التي يتبعها الأغلية الكبرى المسيحيين في مصر، فتعتبر هي الكنيسة الأولى في مصر والتي أسست بناء على تعاليم القديس مارمرقس، أحد المبشرين الأوائل الذين ساهموا في دخول المسيحية إلى مصر منذ عهد الأمبراطور الروماني نيرون في القرن الأول الميلادي. انتشرت المسيحية في مصر على اثر ذلك انتشارا كبيرا رغم تعرض اتباعها للاضطهاد في عهد الامبراطورية الرومانية، كما لعبت الكنيسة الارثوذكسية القبطية دورا بارزا في العالم المسيحي حيث أن قانون مجمع نيقية الذي تقره كنائس العالم كتبه أحد أبناء الكنيسة الارثوذكسية القبطية وهو البابا اثناسيوس بابا الإسكندرية منذ عام 327 إلى عام 373.
هذا بالإضافة إلى اسهامات الكنيسة الارثوذكسية في اللاهوت المسيحي والدفاع عنه حيث أنها حمت الكثير من الدراسات الاهوتية والإنجيلية وتضم جامعات ومكاتب العالم الكثير من المخطوطات القبطية القديمة التي تعتبر آثار. يعد إنشاء المدرسة المسيحية بالإسكندرية عام 190 دليل علي قوة أساس ودور الكنيسة الارثوذكسية في العالم المسيحي، حيث أنها تعتبر المدرسة الأولى من نوعها والتي درس بها الكثير من الشخصيات المسيحية الهامة والاساقفة مثل اثيناغورس وكليمنت وديديموس واريجانوس.
يظهر تاريخ الكنيسة الارثوذكسية كيف أن المسيحية استطاعت أن تنتشر في مصر رغم الاضطهاد الروماني الذي كان شديدا جدا لدرجة تعذيب المسيحيين المصريين في عصور رومانية كثيرة، أكبر مثال علي ذلك قتل القديس مارمرقس سحلا، إلا أن الفصيل القبطي الارثوذكسي كان يمثل جزءا هاما من النسيج المجتمعي المصري علي مر العصور بالإضافة إلى دور الكنيسة الارثوذكسية القبطية البارز في العالم المسيحي ككل.
خصائص:
علي الرغم من أن الكنيسة الارثوذكسية القبطية هي كنيسة مسيحية تختلف في تعاليمها عن الديانات المصرية القديمة ، الا انها تعتبر امتداد ثقافي للتراث المصري القديم حيث انها حافظت علي اللغة القبطية و استخدمتها في طقوسها و شعائرها الكنسية ، فتعتبر اللغة القبطية المرحلة الاخيرة من مراحل تطور اللغة المصرية القديمة و تكتب بالأبجدية اليونانية .هذا بالإضافة الي اتباع الكنيسة الارثوذكسية القبطية للتقويم القبطي الذي هو قائم علي تغيير و تحوير في التقويم المصري القديم و بدأ في الظهور في عهد البطالمة، كما تسمي شهور السنة القبطية بنفس الاسماء الفرعونية القديمة.
تتبع الكنيسة القبطية الارثوذكسية تنظيم داخلي هرمي يرأسه بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وتحته الاباء الاساقفة الذين يشرفون بدورهم على الاباء الكهنة في الابرشيات. يجب ان يكون كلا من البطريرك والاساقفة رهبانا واعضاء في المجمع المقدس. بالإضافة الي ذلك يوجد المجلس الملي القبطي الذي ظهر عام 1883 ليكون حلقة وصل بين الكنيسة والحكومة ومجلس الاوقاف القبطي الذي ظهر عام 1928 ليراقب اوقاف الكنيسة القبطية من خلال القانون المصري.
تؤمن الكنيسة الارثوذكسية القبطية بسبعة اسرار تعرف بأسرار الكنيسة السبعة وهي: سر المعمودية، سر الميرون، سر التناول، سر التوبة والاعتراف، سر الزيجة وسر مسحة المرضي. سر المعمودية يتم بعد اسابيع قليلة من الولادة عن طريق تغطيس كل الجسم في ماء مصلي ثلاث مرات و سر التثبيت يتم برشم الجسم بزيت الميرون بعد العماد مباشرة ، اما سر الاعتراف فيحدث بصفة دورية مع اب الاعتراف الذي تعترف له العائلة و يكون بمثابة مستشار عائلي و يعتبر هذا السر هام لممارسة سر التناول. بالنسبة لسر الزيجة فهو يحدث بين رجل واحد وامرأة واحدة ولا يجوز أن يحدث في أوقات الصوم كما لا يجوز الطلاق إلا في حالة الزنى أو بعض الحالات الأخرى القليلة التي يجب النظر فيها من خلال مجلس اساقفة خاص.
يحتفل الاقباط الارثوذكس بأعياد كثيرة اهمها الاعياد السيدية السبعة الكبري وهي عيد البشارة و عيد الميلاد و عيد الغطاس وأحد الشعانين وعيد القيامة والصعود وعيد البنديقوستي ويحتفل بعيد الميلاد في السابع من يناير من كل عام .يحتفل الاقباط ايضا بسبع اعياد سيدية صغري وهي عيد الختان وعيد دخول السيد المسيح الهيكل، مجيء المسيح إلى مصر، عرس قانا الجليل، التجلي، خميس العهد، وعيد تجديد توما. يوجد أعياد واحتفالات أخرى للاحتفال باستشهاد وانتقال القديسين المشهورين مثل مار مرقس، مار مينا، مار جرجس، بربارة وغيرهم.
ويصوم الأقباط الارثوذكس أكثر من 200 يوم من كل عام ويمتنعون خلال الصيام من المنتجات الحيوانية مثل اللحوم والدواجن والزبدة ومنتجات الألبان وغبرها، ويعتبر الصوم الكبير أحد أهم مواسم الصيام لديهم فيبدأ بصوم أسبوع تمهيدي ثم صوم أربعين يوما احتفاء بصوم السيد المسيح علي الجبل ثم أسبوع الالام حتي الجمعة العظيمة وينتهي بعيد القيامة، وهنالك مواسم صوم أخرى أقل أهمية، منها الميلاد، العذراء مريم، الرسل، ونينوي .
مشاكل:
يعاني المسيحيون في مصر بمختلف طوائفهم من التمييز بناء على هويتهم الدينية، فعلى سبيل المثال، يحرم المسيحيون من تقلد مناصب معينة داخل الدولة مثل رئاسة الجامعات أو الحقائب الوزارية الهامة مثل وزارة الداخلية أو الخارجية أو المناصب الهامة بالقوات المسلحة، كما يتعرض المسيحيون أحيانا لتمييز في العمل والتعليم، حيث ترفض بعض الأماكن والمدارس الخاصة قبول وضم مسيحيين.
هذا بالإضافة لتعرض المسيحيين لعنف مجتمعي وطائفي خاصة في الصعيد وأماكن ريفية لأسباب مثل ممارسة الشعائر الدينية أو ترميم كنائس مما يجعل الوضع متأزم في تلك الأماكن ويضع قيودا أمام حرية ممارسة الشعائر الدينية وبناء الكنائس الجديدة أو ترميم كنائس موجودة بالفعل، وتنتهي الكثير من أحداث العنف الطائفي في هذه الأماكن إلى التهجير القسري للمسيحيين وعائلاتهم. ويوجد أيضا قيود تمارس على التحول إلى المسيحية في مصر لا توجد في حالات التحول إلى الإسلام، كما لا تشمل المناهج التعليمية محتوى تعليمي شمولي عن تاريخ وعادات الأقباط والمسيحيين في مصر مما يؤدي إلى عدم وجود روح التسامح والتعددية عند أوساط كثيرة من المجتمع المصري.