مقدمة
يعد الدين المسيحي من الأديان السماوية التي تنتشر في العالم ولها الكثير من الاتباع وتم تصنيفها كأحد الديانات الإبراهيمية أو التوحيدية الثلاثة بجانب اليهودية والإسلام.
ويعد المرجع والمصدر الأساسي للدين المسيحي هو الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، والذي أوحى الله بتدوينه لأنبيائه ورُسُله
كما تعد الأقلية المسيحية هي الأقلية الأكثر عددًا في مصر. . تضم الديانة المسيحية ثلاث طوائف كبرى وهم الأكثر شهرة من بين الطوائف الأخرى وهي: الطائفة الأرثوذكسية و الطائفة الكاثوليكية والطائفة البروتستانتية أو الإنجيلية. لكل طائفة منهم بابا يتولى أمورها، كمثال الطائفة الكاثوليكية التي يرأسها البابا أسقف روما والمقيم في الفاتيكان، والطائفة الأرثوذكسية المسئول عنها بابا الكرازة المرقسية الموجود في مصر، ما عدا الطائفة الإنجيلية التي لا يوجد بابا معين لها .
وهناك عدة اختلافات عقائدية بين هذه الطوائف يرجع تاريخها الي عام ٤٥١ ميلاديًا سنتحدث عنها فيما بعد.
تاريخ انقسام الكنيسة
كانت في البداية تنقسم الكنيسة المسيحية إلي كنيستين؛ شرقية وغربية. كانت تلك الكنيستين تختلفان في بعض المسائل العقائدية. وفي الثامن من أكتوبر وحتى الأول من نوفمبر عام ٤٥١م تم عقد ما يسمى بـ”مجمع خلقيدونية” في خلقيدون، وهي مدينة إغريقية قديمة في آسيا الوسطى[1].
كان هذا هو المجلس الرابع المسكوني من قبل الكنيسة الكاثوليكية، والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، ومعظم البروتستانت.
والمقصود بالمجلس المسكوني هو مؤتمر يجتمع به كل الشخصيات الكنسية وخبراء اللاهوت من جميع أنحاء العالم لمناقشة ما يخص الكنيسة من ممارسات وكل ما يتعلق بالعقيدة ويتم الاتفاق على هذه الأمور بالتصويت.
وأهم ما توصل اليه هذا المجمع كان تعريف يطلق عليه “التعريف الخلقدوني” ويقول إن المسيح «معترف به في طبيعتين تأتيان معًا في شخص واحد وأقنوم واحد» وبسبب ما توصل اليه هذا المجمع حدث انشقاق كبير بين الكنيستين الشرقية والغربية، فأصبحت كنائس الشرق تحت قيادة كنيسة الإسكندرية وهي الكنائس الأرثوذكسية و هم من رفضوا اصطلاح طبيعتين، واقروا بأن لا يمكن أن يكون المسيح شخصين متحدين مع بعضهم البعض تمسكًا بما قاله القدّيس كيرلس (٤١٢-٤٤٤م) بأنّه هناك “طبيعة واحدة للإله الكلمة المتجسد”. علي الجهة الأخرى تمسكت كنائس الغرب التي تتبع قيادة كنيسة الفاتيكان (الكنيسة الرومانية سابقًا والتي سميت بالكنيسة الكاثوليكية) بهذا التعريف, وترتب علي ذلك أيضاً انفصال الكنيسة اليونانية والكنائس اللاتينية والقسطنطينية وأصبحوا ينتمون للكنيسة الأرثوذكسية[2][3].
تاريخ الكنيسة الكاثوليكية
سنتحدث هنا بشكل أوسع عن الطائفة الكاثوليكية خصوصاً. تنسب الكنيسة الكاثوليكية إلى القديس بطرس الرسول، وهو أحد تلاميذ المسيح الذي صلبه الإمبراطور الروماني نيرون ، في العقد السابع ميلاديًا.
يرجع تسمية الكنيسة الكاثوليكية بهذا الاسم إلى عام ١١ ميلاديًا، وأصل الكلمة يوناني تعني “عام أو جامع” وسبب التسمية يرجع إلي أنها جمعت كل الكنائس الغربية.
و لقبها الرسمي هو الكنيسة المقدسة الكاثوليكية الرسولية، ويطلق عليها الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الرومانية الكاثوليكية وتعد أكبر الكنائس المسيحية.
في القرن ال ١٥ كان هناك عدة محاولات من الكنيسة الغربية للتقرب من الكنيسة الشرقية وضمها إلى سلطتها ولكن لم تنجح هذه المحاولات.
غيرت الكنيسة الكاثوليكية من سياستها في القرن ال١٨ وبدأت بإرسال بعثات تبشيرية إلى مصر يتولاها الرهبان الفرنسيسكان، خاصة في صعيد مصر وأرسل بابا روما في عام ١٧٣١ أسقفا الي مصر، ولكن لم تطل إقامته كثيرا. ويقال انه في فترة ما طالب الأرثوذكس الحكومة بمنع اعتناق الكاثوليكية في مصر.ولكن أصبح الوضع في تغير دائم خاصة في الفترة التي تولى فيها محمد علي حكم مصر.
حتى أنه في عام ١٨٢٤ أمر بابا روما ليون الثاني عشر بإنشاء بطريركية الأقباط الكاثوليك
من ضمن العوامل التي ساعدت في وجود الطائفة الكاثوليكية في مصر هو دعم إيطاليا والنمسا للبعثات التبشيرية الكاثوليكية.
والان تتبع الكنيسة الكاثوليكية كنائس عدة في الشرق تعرف بالكنائس الكاثوليكية الشرقية وهم حوالي ٢٢ كنيسة متحدين مع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في الفاتيكان[4].
ويوجد سبع أبرشيات قبطية كاثوليكية في مصر في أسيوط وسوهاج والمنيا والأقصر والإسماعيلية والجيزة، يرأسها بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك وهو البطريرك إبراهيم الأول إسحاق. ويوجد لأعضاء تلك الكنيسة من الرهبان والراهبات مثل الفرنسيسكان والجيزويت دور اجتماعي في ميدان التعليم والصحة حيث يديرون أنشطة اجتماعية كثيرة من مدارس ومشافي ويعملون على تعزيز العلاقات الودية بينهم وبين باقي المسيحيين وأفراد المجتمع ككل.
أهم ما يميز الكنيسة الكاثوليكية (الطقوس والأعياد)
تؤمن الكنيسة الكاثوليكية مثلها مثل الكنائس الأخرى بالثالوث الأقدس، وهو معتقد ديني يرى أن الله له ثلاث صفات أو محاور تنبعث من جوهر متساوي، ولكن يظهر هنا اختلاف بين العقيدة الكاثوليكية والبروسنتينية وبين الكنيسة الأرثوذكسية وتعتقد الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية أن الروح القدس ينبثق من الآب والابن معًا علي عكس الكنيسة الأرثوذكسية التي ترى أن الروح القدس ينبثق من الآب فقط.
وتعتبر الكنيسة الكاثوليكية كنيسة رسولية ونقصد هنا بهذا اللفظ بأن أساقفتها يمتلكون أسرارًا تم توارثها ويرجع أصلها إلى تعاليم المسيح الذي سلمها الي تلاميذَه بحسب الإنجيل، وتم إعلانها في لائحة في مجمع ليون المسكوني عام 1274
الأسرار التي تسلمتها الكنيسة هي مجموعة من الطقوس يتم ممارستها داخلها وفقا لقواعد وشروط محددة، وهم سبعة أسرار. يطلق عليها أسرار لأنها يتم من خلالها حصول الإنسان على نعمة سرية غير ملموسة أو منظورة بالعين بواسطة الروح القدس، من خلال أفعال أو مادة يراها الإنسان.
تختلف الكنيسة الكاثوليكية عن الكنيسة الأرثوذكسية في بعض طقوس هذه الأسرار، فمثلا سر المعمودية في الكنيسة الكاثوليكية لا يعتمد على التغطيس الكامل للجسد في الماء المصلي مثل الكنيسة الأرثوذكسية.
سر التناول أو الافخارستيا وهو طقس مرتبط طقسيا بالعشاء الأخير للمسيح مع التلاميذ وهو إشارة للاتحاد مع المسيح من خلال تناول خبز وخمر والذين يتحولان بالسر إلى جسده ودمه. ويتم هذا الطقس في الكنيسة الأرثوذكسية بعد معمودية الطفل مباشرة، ولكن في الكنيسة الكاثوليكية لا يتم إلا في سن الثامنة.
لا تسمح الكنيسة الكاثوليكية بالزواج للكهنة كما لا تسمح أيضا بالطلاق مهما كانت الأسباب حتى علة الزنا، ولكن تسمح بالتفريق بين الزوجين.
ولكن تتفق الكنيسة الكاثوليكية مع الكنيسة الأرثوذكسية بشفاعة مريم العذراء التي تمثل لهم أم الإله، كما يؤمنون أيضًا بالقديسين وشفاعتهم[5]
تحتفل الكنيسة الكاثوليكية بعيد ميلاد المسيح يوم ٢٥ ديسمبر على عكس الكنيسة الأرثوذكسية التي تحتفل بالعيد يوم ٧ يناير
ويرجع هذا الاختلاف إلى عام ١٥٨٢ فقبل ذلك التاريخ كان الجميع يحتفل بعيد الميلاد يوم ٧يناير والذي يوافق ٢٩ كيهك والذي حدد في مجمع نيقية عام ٣٢٥ م. حيث يكون عيد ميلاد المسيح في أطول ليل وأقصر نهار “فلكياً” ومن بعدها يبدأ الليل القصير والنهار يستمر لوقت أطول إشارة لأنه بميلاد المسيح يتغلب النور على الظلام.
في عام ١٥٨٢ اكتشف العلماء بأن هذا التاريخ ليس به أطول نهار وأقصر ليل وأنه يوجد فرق في ١٠ أيام فاتبعت الكنيسة الغربية التاريخ الجديد المحدد ٢٥ ديسمبر ولكن بقيت الكنيسة الارثوذكسية علي التاريخ ٧ يناير[6]
المشكلات
يعاني المسيحيون في مصر من عدة مشاكل متعلقة بكونهم ينتمون الى أقلية دينية. استمرت هذه المشكلات على مدار أعوام وحتى الآن ،سواء كانت تتعلق بدور العبادة او بالأشخاص أنفسهم فيما يتعلق بحياتهمالآن، سواءعملهم بسبب انتمائهم الديني
ففي مصر اذا كنت مسيحيا ذلك يعني أنه سيتم تهميشك من عدة وظائف تعرف مسبقًا انك لن يتم قبولك بها فقط لأنك مسيحي مثل رئاسة الجامعات أو الحقائب الوزارية الهامة كوزارة الخارجية ووزارة الداخلية والمناصب الهامة بالقوات المسلحة، الي جانب بعض الأنشطة كأندية كرة القدم التي لا يقبل فيها أفراد مسيحيون
غير ذلك يوجد أحيانا و في بعض الفترات ما يتعلق بالقتل على أساس الهوية من جرائم كراهية أو جرائم إرهاب، كانت المفوضية المصرية للحقوق و الحريات قد رصدت بعضها و يتمثل ذلك في هدم الكنائس وحرقها وحرق بيوت المسيحيين بقرى الصعيد والتهجير القسري
مما يجعل المسيحيين في مصر عرضة ليس فقط للتمييز، ولكن أيضا التهديد و القتل و بالأخص في أوقات عدم الاستقرار السياسي والأمني
خاتمة وتوصيات
الأقباط الكاثوليك هم جزء أصيل من التكوين المجتمعي المصري. علي الرغم من أن البعض يتوهم أن الكاثوليكية طائفة دينية غربية الأصل، بات واضحا من هذا التقرير أن أواصر الكاثوليكية تمتد إلى الشرق بما فيه مصر. لعب الأقباط الكاثوليك دورا محوريا في الميادين الخيرية و التنموية و الثقافية مثل التعليم والصحة والفنون، الأمر الذي يمثل انعكاسا لثقافة الكاثوليك في العالم بفتح أبواب الحوار والتلاقي والتآخي ليس فقط مع المسيحيين الآخرين و لكن مع أبناء العالم أجمع. علي الرغم من أن الطائفة الكاثوليكية هي طائفة مسيحية رئيسية معترف بها في مصر إلا أن الأقباط الكاثوليك يعانون من مشاكل على أساس انتمائهم الديني كمسيحيين مثل التمييز والعنف أو الإرهاب أو التحريض علي الكراهية خاصة في لحظات التوتر و عدم الاستقرار الأمني و السياسي. قد يعاني الأقباط الكاثوليك أيضا من تهميش إضافي بسبب كونهم أقلية داخل الأقلية والذي ينعكس في عدم إعطاء نفس الأهمية لأعيادهم و مناسباتهم الدينية كإجازات رسمية علي عكس حال المسيحيين الأرثوذكس في مصر. قد يعاني أيضا الأقباط الكاثوليك من مشاكل في الطلاق بسبب الوصاية الدينية على قوانين الأحوال الشخصية في مصر. ومن هنا توصي المفوضية المصرية للحقوق والحريات بالآتي:
ضرورة تشكيل لجنة مكافحة التمييز التي نص عليها الدستور في المادة ٥٣ والتي بدورها يجب أن تنظر في قضايا التمييز والإقصاء وعدم المساواة على أساس الدين في مختلف الميادين
ضرورة الحد من خطابات الكراهية والتحريض على العنف من خلال وضع عقوبات لها إلى جانب النظر في حل الجذور الثقافية والمجتمعية التي تؤدي إلي ظهورها من الأساس
ضرورة إنشاء قانون أحوال شخصية مدني موحد يعطي المواطنين الحق في اختيار مسار حياتهم الشخصية من زواج وطلاق وميراث دون وصاية المؤسسات الدينية
ضرورة العمل على مناهج تعليمية تشمل تاريخ الأقباط بشكل متنوع وشامل و ثري لنزع التعصب الديني لدى المواطنين منذ صغرهم
[1] موقع بطريركية انطاكية و سائر المشرق للروم الارثوذكس. مقال المجمع المسكوني الرابع اومجمع خلقيدونية. يمكن الوصول اليه عبر الرابط التالي: https://antiochpatriarchate.org/ar/page/1155/
[2]St-Takla Website. Questions related to theology. Accessed at: https://st-takla.org/
[3] Atiyah, Aziz Suryal(1968). A history of Eastern christianity.Metheun, London.
[4] Catholics and cultures website. Eastern Catholic churches. Accessed at: https://www.catholicsandcultures.org/eastern-catholic-churches
[5] موقع كنيسة الاسكندرية للاقباط الكاثوليك. يمكن الوصول إليه عبر الرابط التالي:http://coptcatholic.net/
[6] St-Takla Website. Questions related to theology. Accessed at: https://st-takla.org/